تحديات البيروقراطية وفرص التنمية- دروس من تجربة عسير
المؤلف: عبداللطيف الضويحي11.19.2025

غالبًا ما يُحرم المجتمع من الكثير من الأفكار والمشاريع القيّمة، ويتأخر في جني ثمارها، لا لافتقارها للجدوى والأهمية، بل نتيجة للأنماط الإدارية الجامدة التي تفرضها المؤسسات الحكومية. هذه المؤسسات، في سعيها لتسيير الأمور، غالبًا ما تقوم ببرمجة وتوجيه الإنسان والمجتمع والقطاع الخاص، وفقًا لآلياتها الداخلية، وقدرات موظفيها، وفهمهم للمصلحة العامة.
لا شك أن هناك معايير أساسية وحيوية لتقييم جدوى المشاريع، سواء تلك التي يتبناها القطاع العام أو الخاص. ومع ذلك، توجد العديد من الأفكار والمشاريع الضرورية ذات الأهمية البالغة التي لا ترى النور، على الرغم من فائدتها الجمة للفرد والمجتمع وقطاع الأعمال. قد يرجع ذلك إلى أن مسؤولية هذه الأفكار والمشاريع تتوزع على أكثر من جهة حكومية. فكلما ازداد عدد المؤسسات المتداخلة في مسؤولية المشروع، تباطأ التنفيذ أو تلاشت فرص تحقيقه، وذلك إما لصعوبة التنسيق بين الجهات، أو لتضارب الأهداف، أو لعدم وضوح الرؤية الشاملة لدى الكثير من العاملين في القطاع الحكومي، أو لتباين مستوى فهم الإجراءات الحكومية بين مختلف القطاعات والموظفين.
من المؤسف أن القطاع الحكومي يعج بالعديد من الكيانات الإدارية التي لا تدرك الدور المنوط بمؤسساتها، ولا الأهداف العامة التي تسعى هذه المؤسسات إلى تحقيقها. هذه المؤسسات يفترض أن تكون المحرك الأساسي، والطاقة الدافعة لكل ما تقوم به الجيوش العاملة من الإداريين، الذين يُفترض بهم تحقيق الأهداف المنشودة.
علاوة على ذلك، فإن بعض الأنظمة والتشريعات المطبقة في القطاعين العام والخاص تعاقب الموظف الذي يرتكب خطأ أثناء العمل، ولكنها لا تحاسب أو تعاقب الموظف الذي يتقاعس عن العمل. ولهذا السبب، يفضل العديد من الكيانات الإدارية، خاصة في المناطق النائية والبعيدة عن الجهاز الإداري المركزي، التمسك بالأمان عن طريق الامتناع عن الفعل، والمماطلة والتأجيل، وعدم الإنجاز، طالما أن ذلك يضمن لهم تجنب المساءلة والعقاب.
المنصات الرقمية، التي كان من المفترض أن تسهل الإجراءات وتختصر الوقت، أصبحت للأسف تستخدم بشكل سيئ من قبل بعض الأجهزة والمؤسسات الحكومية. فبدلاً من تحقيق الغاية التي أنشئت من أجلها، أصبحت مجرد واجهة دعائية تتباهى بها بعض المؤسسات الحكومية أمام الرأي العام والمسؤولين، بينما هي في الواقع غطاء للمماطلة، وبطء الإجراءات، وعدم الإنجاز، وتأخير العمل. وقد عانيت شخصيًا من هذه المنصات والمواقع الحكومية الرسمية التي لا تحقق الغرض المنشود منها، وهو سرعة الإنجاز وتسهيل الإجراءات.
كل هذه الأسباب، والأساليب الإدارية المعقدة، والبيروقراطية، وغيرها، سواء مجتمعة أو منفردة، تعيق أو تساهم في إعاقة عجلة التنمية، وتضع العراقيل أمام الحركة الاستثمارية المأمولة في مختلف القطاعات والمناطق، وخاصة المناطق الطرفية البعيدة عن الجهاز المركزي، التي تعاني من ندرة الفرص الوظيفية.
لقد لفت انتباهي حديث أمير منطقة عسير، الأمير تركي بن طلال، عن تجربته كأمير للمنطقة، والتحديات التي واجهت المستثمرين، والمشاريع المتعثرة التي ظلت حبيسة الأدراج في مختلف الأجهزة الحكومية لسنوات طويلة. هذه المعضلة ألهمت الأمير تركي بن طلال أن يفكر خارج الصندوق، ويبتكر أساليب إدارية خلاقة، من خلال مستويات إدارية أفقية ورأسية، للتعامل مع الوزراء المعنيين من جهة، ومديري الأجهزة الحكومية المعنية في المنطقة من جهة أخرى، وجمع ومواجهة هؤلاء وأولئك مع المستثمرين العالقين منذ سنوات في فروع المؤسسات الحكومية الفرعية. وقد أثمرت هذه الجهود عن حلحلة عشرات المشاريع المتعثرة، والنجاح في تجاوز كل العقبات الإدارية المتأصلة.
يُحسب للأمير تركي بن طلال مثابرته وإصراره على فهم وتفكيك المعضلة التي عانى منها المستثمرون في عسير على مدى عقود. بمثل هذه العبقرية الإدارية يمكن تذليل الصعوبات التي لا تزال تعيشها كل مؤسسة حكومية على حدة، وبمثل هذه الأساليب المبتكرة يمكن تذويب الإجراءات والتعاملات المعقدة بين المؤسسات الحكومية، وبها يمكن رفع وعي الموظفين الإداريين إلى مستوى الأهداف والغايات الشاملة.
في الختام، كيف يمكن أن تستفيد مناطق المملكة الأخرى من تجربة عسير؟ وهل يمكن العمل على توثيق هذه التجربة وتعميمها، بالإضافة إلى إيجاد وتفعيل آلية ثابتة بين المناطق الإدارية الثلاث عشرة في المملكة لنقل وتبادل الخبرات الإدارية المتميزة، بما في ذلك هذه التجربة؟ فمن المؤكد أن هناك تجارب ناجحة في مناطق أخرى تستحق التوثيق والتعميم على سائر المناطق، والاستفادة منها في مختلف المجالات.
لا شك أن هناك معايير أساسية وحيوية لتقييم جدوى المشاريع، سواء تلك التي يتبناها القطاع العام أو الخاص. ومع ذلك، توجد العديد من الأفكار والمشاريع الضرورية ذات الأهمية البالغة التي لا ترى النور، على الرغم من فائدتها الجمة للفرد والمجتمع وقطاع الأعمال. قد يرجع ذلك إلى أن مسؤولية هذه الأفكار والمشاريع تتوزع على أكثر من جهة حكومية. فكلما ازداد عدد المؤسسات المتداخلة في مسؤولية المشروع، تباطأ التنفيذ أو تلاشت فرص تحقيقه، وذلك إما لصعوبة التنسيق بين الجهات، أو لتضارب الأهداف، أو لعدم وضوح الرؤية الشاملة لدى الكثير من العاملين في القطاع الحكومي، أو لتباين مستوى فهم الإجراءات الحكومية بين مختلف القطاعات والموظفين.
من المؤسف أن القطاع الحكومي يعج بالعديد من الكيانات الإدارية التي لا تدرك الدور المنوط بمؤسساتها، ولا الأهداف العامة التي تسعى هذه المؤسسات إلى تحقيقها. هذه المؤسسات يفترض أن تكون المحرك الأساسي، والطاقة الدافعة لكل ما تقوم به الجيوش العاملة من الإداريين، الذين يُفترض بهم تحقيق الأهداف المنشودة.
علاوة على ذلك، فإن بعض الأنظمة والتشريعات المطبقة في القطاعين العام والخاص تعاقب الموظف الذي يرتكب خطأ أثناء العمل، ولكنها لا تحاسب أو تعاقب الموظف الذي يتقاعس عن العمل. ولهذا السبب، يفضل العديد من الكيانات الإدارية، خاصة في المناطق النائية والبعيدة عن الجهاز الإداري المركزي، التمسك بالأمان عن طريق الامتناع عن الفعل، والمماطلة والتأجيل، وعدم الإنجاز، طالما أن ذلك يضمن لهم تجنب المساءلة والعقاب.
المنصات الرقمية، التي كان من المفترض أن تسهل الإجراءات وتختصر الوقت، أصبحت للأسف تستخدم بشكل سيئ من قبل بعض الأجهزة والمؤسسات الحكومية. فبدلاً من تحقيق الغاية التي أنشئت من أجلها، أصبحت مجرد واجهة دعائية تتباهى بها بعض المؤسسات الحكومية أمام الرأي العام والمسؤولين، بينما هي في الواقع غطاء للمماطلة، وبطء الإجراءات، وعدم الإنجاز، وتأخير العمل. وقد عانيت شخصيًا من هذه المنصات والمواقع الحكومية الرسمية التي لا تحقق الغرض المنشود منها، وهو سرعة الإنجاز وتسهيل الإجراءات.
كل هذه الأسباب، والأساليب الإدارية المعقدة، والبيروقراطية، وغيرها، سواء مجتمعة أو منفردة، تعيق أو تساهم في إعاقة عجلة التنمية، وتضع العراقيل أمام الحركة الاستثمارية المأمولة في مختلف القطاعات والمناطق، وخاصة المناطق الطرفية البعيدة عن الجهاز المركزي، التي تعاني من ندرة الفرص الوظيفية.
لقد لفت انتباهي حديث أمير منطقة عسير، الأمير تركي بن طلال، عن تجربته كأمير للمنطقة، والتحديات التي واجهت المستثمرين، والمشاريع المتعثرة التي ظلت حبيسة الأدراج في مختلف الأجهزة الحكومية لسنوات طويلة. هذه المعضلة ألهمت الأمير تركي بن طلال أن يفكر خارج الصندوق، ويبتكر أساليب إدارية خلاقة، من خلال مستويات إدارية أفقية ورأسية، للتعامل مع الوزراء المعنيين من جهة، ومديري الأجهزة الحكومية المعنية في المنطقة من جهة أخرى، وجمع ومواجهة هؤلاء وأولئك مع المستثمرين العالقين منذ سنوات في فروع المؤسسات الحكومية الفرعية. وقد أثمرت هذه الجهود عن حلحلة عشرات المشاريع المتعثرة، والنجاح في تجاوز كل العقبات الإدارية المتأصلة.
يُحسب للأمير تركي بن طلال مثابرته وإصراره على فهم وتفكيك المعضلة التي عانى منها المستثمرون في عسير على مدى عقود. بمثل هذه العبقرية الإدارية يمكن تذليل الصعوبات التي لا تزال تعيشها كل مؤسسة حكومية على حدة، وبمثل هذه الأساليب المبتكرة يمكن تذويب الإجراءات والتعاملات المعقدة بين المؤسسات الحكومية، وبها يمكن رفع وعي الموظفين الإداريين إلى مستوى الأهداف والغايات الشاملة.
في الختام، كيف يمكن أن تستفيد مناطق المملكة الأخرى من تجربة عسير؟ وهل يمكن العمل على توثيق هذه التجربة وتعميمها، بالإضافة إلى إيجاد وتفعيل آلية ثابتة بين المناطق الإدارية الثلاث عشرة في المملكة لنقل وتبادل الخبرات الإدارية المتميزة، بما في ذلك هذه التجربة؟ فمن المؤكد أن هناك تجارب ناجحة في مناطق أخرى تستحق التوثيق والتعميم على سائر المناطق، والاستفادة منها في مختلف المجالات.
